أيّها الحفلُ الكريم،

لو كان سايد كعدو اللّيلةَ بيننا لكان صوّر فيلماً وثائقيّاً عن ذكراه هذه، ولكان ـ وأنا أعرفه صديقاً في زغرتا وإهدن وبيروت وقد قضيتُ أحدَ عشرَ يوماً في شقّته في موسكو، لكان بالطبع ضحكَ علينا، فهو لطالما اعتبر أنّ الغلَبَة للحياة بينما الموت وهمٌ، وأنّ تلك المساحةَ بين الحياة والموت التي اسْمُها العمرُ، ما هي إلاّ عتَبَةٌ رجراجةٌ لا تحتملُ المُساوماتِ ولا المُهادنات. لذا كان في عُمره مُقتحماً، مُتسلّلاً بين حقول ألغامنا التاريخيّة، مُلتقطاً لحظاتِ تمزُّقِنا العربيّ، عائداً منها بصُوَرٍ عن مآسينا الطويلةِ، الطويلةِ كتاريخ وحشيّة إسرائيل وتعاطُفِ الغرب معها، والطويلةِ أيضاً كثرواتنا العربيّة وأنابيب النفط الممتدّة مباشرةً الى جيوب حُكّامنا.

نتذكّرُ “سايد” اليوم أكثر من البارحة، فالثوراتُ من حولنا وعلى أبوابنا مُشتلعة، فكم كان سيكون فَرِحاً سارِحاً في ميادين التحرير والكاميرا عيناهُ. نتذكّره ببسمة وليس بدمعة، لِما تركَهُ لنا من مشاهدَ مُلتهبة بالحقّ والحقيقة، لعلّنا نَفيهِ القليلَ من حقّه هذا علينا، لنقول أنّ الفنّان يذهبُ أمّا أعمالُه فباقيةٌ. وفي تكريم الفنّان لا تكفي أوسمة ونياشين ودروع وطناجرْ وكلماتُ أكابرْ.. طنّانة رنّانة معسولة مغزولة بإنشائيّات فارغة باتت تسبّب لنا الغثيان، بل ليكن تكريمُ الفنّان أيضاً ـ وهذا أهمّ، بعرض أعماله على الناس وجعلِها بمُتناولهم جميعاً إذا أمكن، لإيصالِ ما كان يُريد هو فعلاً إيصالَه، فهكذا تستمرُّ الرسالةُ ويبقى الأفقُ مفتوحاً، و”المشهدُ الذي غاب” يظلّ أبداً حاضراً في بالنا. هذا عزاؤنا وعزاؤكم أيضاً. فمساء الخير وأهلاً وسهلاً بكم.

زغرتا، المسرح البلدي ـ قاعة بيار فرشخ، 26/3/2011 

أيّها الحفلُ الكريم، لو كان سايد كعدو اللّيلةَ بيننا لكان صوّر فيلماً وثائقيّاً عن ذكراه هذه، ولكان ـ وأنا أعرفه صديقاً في زغرتا وإهدن وبيروت وقد قضيتُ أحدَ عشرَ يوماً في شقّته في موسكو، لكان بالطبع ضحكَ علينا، فهو لطالما اعتبر أنّ الغلَبَة للحياة بينما الموت وهمٌ، وأنّ تلك المساحةَ بين الحياة والموت التي اسْمُها […]

Tags: النشاطات